**اسباب الامراض النفسيه التي تصيب الانسان**

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته **

سؤال يتردد باستمرار على ألسنة الكثيرين سواء أكان من الذين يصيبهم المرض النفسي، أو الذين يصيب لهم قريبا أو صديقا، أو يقرأون عنه أو يكون حديثهم في المجالس واللقاءات: ما هي اسباب المرض النفسي؟
إن أسباب المرض النفسي متعددة ومتنوعة منها المعروف ومنها الغامض غير المكشوف، كما أن منها المعروف لدى المريض نفسه ومنها ما يكتشفه الطبيب النفسي من خلال الحوار والمقابلة النفسية التي يجريها مع المريض أو مع أحد أقربائه أو معارفه. وتنوع الأسباب راجع الى تنوع جوانب النفس البشرية وهو ما سنتطرق إلى ذكر أهمه هنا.



هناك الجانب الوراثي حيث تنقل المورثات أو الجينات ما تحمله من صفات موروثة تحدد معالم الفرد في صفاته الجسدية وكذلك النفسية فيما تشمله من صفات الشخصية والذكاء والعواطف والتي تتأثر بتفاعلها مع البيئة والمحيط الخارجي.

وقد تمكن العلم الحديث من اكتشاف الخارطة الجينية للانسان وبدأ باكتشاف العامل الوراثي للأمراض ومنها الأمراض النفسية، والمعروف لدى العلماء الآن أن الذي ينتقل بالوراثة ليس المرض النفسي ولكن الإستعداد له حيث لابد من توافر الأسباب الأخرى لكي تظهر أعراضه.

وهناك جانب نمو وتطور الفرد في نشأته منذ أن يولد وتدرجه في مراحل النمو المختلفة من المهد وحتى سن البلوغ حيث تتكامل شخصيته وتنضج مشاعره وأفكاره وما يصاحب ذلك كله من تأثيرات وعوامل تسهل أوتعيق هذه المراحل أو تمنع بعضها من التحقق فيحرم الفرد منها فتؤثر على تكوين شخصيته وطريقة تفاعله مع الآخرين وحتى ذكائه وقدراته الذهنية والادراكية.

كما أننا لا ننسى الجانب الحيوي أو البيولوجي المتمثل بوجود ناقلات الحوافز neurotransmitters في الجهاز العصبي المركزي وهي المواد الكيماوية التي تنقل الحافز العصبي من عصب الى آخر، وما يولده اختلال التوازن لهذه المواد من تأثير فاعل على المزاج والمشاعر والعمليات الذهنية المختلفة (من أمثلة هذه المواد الدوبامين والسيروتونين والأدرينالين والأسيتايل كولين) وهذا الجانب هو الذي فتح الباب على مصراعيه لاستعمال الأدوية المختلفة في علاج الاضطرابات النفسية والذهنية بل حتى السلوكية.

بالاضافة الى ذلك هناك العامل النفسي الاجتماعي وتفاعل الفرد مع المحيط الخارجي وما يصادفه من تأثيرات حياتية واجتماعية تساهم في تشكيل وصياغة الجانب النفسي للفرد ويشمل من ضمن ما يشمله ما يتعرض له الفرد من ضغط وإجهاد يتراكم مع الوقت ليتحول إلى مصدر مهم للتوتر النفسي والقلق كما يشمل أيضا الصدمات النفسية المفاجئة وما يستتبعها من تأثيرات عميقة في النفس.

هذه العوامل وغيرها كالتغيرات التي تحصل في أنسجة الدماغ أو التغيير في مستوى بعض الهرمونات أو الإصابة ببعض الأمراض العضوية تساهم مجتمعة أو متفرقة وبنسب متفاوتة في التأثير على الجانب النفسي وما يحصل من اضطراب أو إختلال عن الحالة النفسية الطبيعية، وكذلك ما يظهر من أعراض وعلامات يتم من خلالها التعرف على نوع ودرجة الاضطراب.

أما من الناحية العملية والتطبيقية فإن معرفة هذه الاسباب أو بعضها والدخول في تفاصيلها واكتشاف أبعادها وطريقة تأثيرها فإنها تفيد في الحصول على فهم أكبر وأعمق للاضطراب النفسي وكيفية حصوله وبالتالي فإنها تفيد علاجيا في تتبع هذه الأسباب ومحاولة فهمها وتغييرها أو التخفيف منها.

وفي الحقيقة فإننا مهما حاولنا من تعداد أوتتبع الأسباب المؤدية للاضطراب النفسي وبالرغم من التقدم الكبيرالذي حصل في ذلك فإنه لا يزال في مجمله غامضا وغير واضح ولا نزال بعيدين عن وضع أيدينا على سره، وهذا ما يذكرنا بقصة العميان الذين جيء بهم إلى فيل كبير لا علم أوتجربة سابقة لهم مع هذا الحيوان ثم طلب منهم أن يضعوا أيديهم على أجزاء من جسمه ويصفوا ما يتحسسون حيث إنهم تفاوتوا في وصفهم له واختلفوا فيما تحت أيديهم فمنهم من وصف الناب ومنهم من وصف الخرطوم ومنهم من وصف الذنب وهكذا، ولم يتعدوا الأجزاء إلى الكل فهم قد أصابوا في وصف الجزء الذي تحت أيديهم ولكنهم فشلوا في معرفة ذلك الحيوان الذي نطلق عليه (الفيل) بكل كيانه ككائن حي متحرك فاعل، وهكذا النفس فنحن نعلم أجزاء منها ونسعى لمعرفة المزيد من الأجزاء أما النفس بكل جوانبها وأبعادها فهي عصية على الإحاطة.

وخلاصة القول إن النفس كما أنها لا يعلمها على حقيقتها إلا الله تعالى فكذلك اضطراباتها وأمراضها لا يحيط بكل أبعادها إلا هو، وسيبقى الإنسان يبحث عن المزيد والمخفي منها لايكل في ذلك ففي كل يوم له جديد ليدل ذلك على عظمة الخالق والمبدع، وعلى عمق النفس وتعدد أبعادها، وقد أحسن من قال:

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

بسيطه هي بس يعني للمعرفه وبعدين كلنا اخذناها بالمدرسه** شكرا اليك